Tuesday, November 5, 2019

ما سر الهوس العالمي بمقبرة توت عنخ آمون؟

ويرى علماء الآثار اليوم أن سر الهوس العالمي بتوت عنخ آمون يكمن في احتفاظ المقبرة بكامل محتوياتها من كنوز فريدة، على عكس المقابر الأخرى التي تعرضت للسلب والنهب، وفي الغموض الذي أحاط بمصير الفرعون الشاب واللورد كارنارفون، الثري الإنجليزي، الذي موّل أعمال الحفر.

وفي الوقت الذي يستعد فيه قاعة ساتشي للفنون بالعاصمة البريطانية لندن لاستقبال أكبر مجموعة من كنوز توت عنخ آمون تعرض خارج مصر، بعد أن حققت إقبالا منقطع النظير في لوس أنجليس وباريس، من الواضح أن كنوز توت عنخ آمون لم تفقد بريقها بعد في القرن الحادي والعشرين.

غير أن السياق التاريخي في عشرينينات القرن العشرين لعب دورا لا يقل أهمية عن دور محتويات المقبرة في إشعال الشغف بالملك توت عنخ آمون.

وفي عام 1922، وقع هاورد كارتر، عالم الآثار الذي اكتشف المقبرة، في أزمة بعد أن فرضت الحكومة الجديدة في مصر التي أفرزتها التحولات السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك، رقابة مشددة على الآثار.

ولكي يجمع لورد كارنارفون المال الكافي لتمويل عملية الحفر والحفاظ على كنوز المقبرة وحصرها، أبرم صفقة مع جريدة التايمز لتصبح بموجبها المصدر الوحيد للأخبار والصور.

وترى كات وارسي، مساعدة أمين المحفوظات بمعهد غريفيث في أكسفورد، أن الدعم المالي والتغيطة الإعلامية كانا ضروريين لإنجاز عملية الحفر التي كانت مكلفة واستغرقت في النهاية نحو 10 سنوات.

كُلف المصور الفوتوغرافي هاري بورتون البريطاني المولد، من متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، بتصوير عمليات الحفر. وتميز أسلوب بورتون بالدقة المتناهية وبتوظيف المؤثرات المسرحية، إذ كان يصور العناصر من زوايا متعددة مستخدما أحدث أجهزة الإضاءة المتخصصة وتقنيات تصميم المشاهد التي طورت في قطاع الأفلام السينمائية في هوليود آنذاك.

(تعليق) كان بورتون يصمم المشهد قبل التصوير ليبدو مهيبا قدر الإمكان، وهذه الصورة التقطت في فبراير/شباط عام 1923 ويظهر فيها كارتر (يسارا) مع لورد كارنارفون في المقبرة

وكشف الحفر عن مدى ولع العالم بالكنوز، الاستثنائية منها والعادية. ويقول بول كولينز، أمين جناح الشرق الأدنى القديم بمتحف أشموليان في مدينة أكسفورد، إن ظهور الراديو والرسائل التلغرافية والصحف واسعة الانتشار والأفلام المتحركة أسهم في تغذية الهوس بالحضارة المصرية الذي اجتاح العالم.

وتكشف صور بورتون عن وجود أكثر من 5,000 قطعة داخل المقبرة الصغيرة، تراوحت بين التماثيل الذهبية الفريدة والمجوهرات والصناديق المزخرفة والمراكب وعربات الخيل، بالإضافة إلى قطع أخرى كانت تحمل بين ثناياها تفاصيل الحياة اليومية، مثل أرغفة الخبز وقطع اللحم وسلال من الحمص والعدس والبلح وأكاليل الزهور.

وثق هاري بورتون محتويات مقبرة توت عنخ آمون، التي كانت تضم هذا الصندوق الأبيض الذي يحتوي على قمصان من الكتان وأوشحة و18 عصا و69 سهما وبوقا

وألهمت الاكتشافات صنّاع الموضة في عشرينيات القرن الماضي وانتشرت الرموز الفرعونية، كالثعابين والطيور وأزهار اللوتس، على مختلف تصميمات ملابس المشاهير وغير المشاهير.

وحركت صور المقتنيات الفاخرة التي أبرزها بورتون، النزعة الاستهلاكية التي نشأت في هذه الفترة، ورصد مظاهرها الخبير الاقتصادي الأمريكي ثورستين فيبلين، حين صاغ مصطلح "الاستهلاك المظهري التفاخري"، للإشارة إلى الاقتصاد الاستهلاكي في حقبة "العشرينيات الصاخبة"، وما أطلق عليه فيبلين "الشراء من أجل التباهي بالثراء والقوة" وليس لسد الاحتياجات الأساسية.